أصبحت ”المولات“ تلك المباني الضخمة التي تحتل أجزاء ليست بهينة في مدننا، مصانع للهويات على اختلاف سماتها وبصماتها. ومن أجل أن نفهم ما هو المول يجب علينا السفر في رحلة ذهاب إلى الوراء، لكن قبل ذلك، دعونا نروي حكاية من أحد الآباء:
ذات يوم، في عام 1990، استقرت عائلة صغيرة بالقرب من المدينة الكبرى. كانوا يعيشون في بيت صغير وسط المزارع الخضراء والأشجار المثمرة. وكان لديهم ابن صغير يدعى آدم.
آدم كان طفلا مستكشفا فضوليا، يحب استكشاف كل شبر من عالمه. كان يحب قضاء ساعات طويلة في الخارج، يلعب ويستكشف ويتعلم. كان يمشي بين الأشجار، يلتقط الزهور، ويركض وراء الفراشات.
وفي أحد الأيام، قابل آدم صديقا جديدا في المدرسة، اسمه محمد. كان محمد فتى حذرا وخجولا. كان يحب القراءة والتفكير بعيدا عن صخب العالم. لم تغير محمد المدينة، بل غيرت المدينة محمد. تأثر آدم بهذه التغيرات في شخصية محمد وقرر أن يعود إلى بيته.
إلا أن هذا التغير لم يأت بسبب سوء تأثير مول على آدم فحسب، بل كان ناتجا عن تأثير كافة عوامل المول على حياة الأطفال والآباء على حده. اكتشف آدم أن المول ليس فقط مكانا للتسوق والترفيه، بل أصبح هو الشخص الثالث في حياة الأطفال، وربما حتى الأول في بعض الأحيان.
في المدارس، ينشئ المول نظاما ثقافيا مختلفا، حيث يتغير توجه الأطفال من الأنشطة المدرسية إلى التسوق والموضة. يصبح للأطفال رغبات جديدة، مستلهمة من ما يرونه في المول. وعلى صعيد آخر، يؤثر المول على سلوك الآباء أيضا. قد تصبح مشتريات المول هما وغاية للآباء. قد تشعر بعض الأمهات بأن فخامة المول تعكس رغباتهن في رفع شعورهن بالذات وارتقاء اجتماعي.
إذا كيف يمكن للآباء أن يوجهوا أطفالهم ويرشدهم بحذر داخل عالم المول؟
قبل كل شيء، يجب أن يكون الوالد مثالا حيا لأولاده. يجب على الآباء أن يتعاملوا بحذر مع قضية المول وأن يحددوا القيم والأولويات المهمة في حياتهم. عليهم أن يظهروا لأطفالهم أن هناك عوالما أخرى خارج الشراء والترفيه، وأن لكل طفل هويته المستقلة التي تحترم اختلافاته الشخصية.
بإشراف من الآباء، يمكن للأطفال استغلال فرص التسوق في المول بشكل إيجابي. يستطيعون استكشاف ثقافات جديدة من خلال زيارة المطاعم والأسواق التقليدية داخل المول. كذلك، يمكنهم المول من التعرف على تصاميم مختلفة لثقافات مختلفة.
لا تزال ”المولات“ بصددها تأثير عائلاتنا وهويات أطفالنا. ومع ذلك، يمكن للآباء أن يظهروا لأطفالهم السبل الصحيحة للاستفادة من هذه التجربة. بتوجه صحي، يمكن الوالد الطفل من فهم عالم المول وإدراك قيمته الحقيقية في حياتنا.