في زمن بعيد، كانت الهواتف العمومية في حلب هي المصدر الوحيد للاتصال عندما يكون الجميع بعيدين عن بيوتهم. كانت تقف وحيدة في ركن الشارع، تغرس أرضا بأصابعها المطوية وتنظر إلى أولئك الذين يأخذون فائض القروش من جيوبهم لإجراء مكالمة هاتفية سريعة.
كان صوت رنين السماعة هو نغمة التقارب والفصل، يستحيل لأحدهم ألا يسمع ذلك. لذا، عند سماع ذلك الصوت المألوف، كان لزاما وضع قطعة نقدية في فجيرة الهاتف لإتاحة فرصة التحدث.
الروابط التي شاركها استاذ عبد الله المهيري في تدوينته أثارت في ذكرى مؤلمة من أجل تلك الأزمان المضى. صور الهواتف العامة في أمريكا أعادت لي الذكريات المؤلمة لهواتفنا العامة التي كانت تنتشر في حلب خلال منتصف التسعينيات.
قبل ذلك الحين، كان هناك عدة هواتف مجتمعة بالقرب من مكاتب البريد. كان يمكن رؤية الأشخاص وهم يجرون أجورهم قبل أن يضغطوا على الأزرار ويلتقطوا سماعة الهاتف. كان صوت دقات الماء يشق طريقه من خلال خطوط الهاتف، فإذا به يصل إلى مستخدم الهاتف في نصف دقيقة، في حال كان محظوظا بالطبع.
ثم جاء مستثمرو المدينة. وصول هؤلاء المستثمرين غير حسابي إلى حلب أحدث تغيرا جذريا في حالة هواتفنا. فجأة، اختفى الضجيج المألوف لدى استخدام هذه الأجهزة. تحولت المظهرية وطرح جديد من الهواتف العمومية. أصبحت مشرقة ونظيفة، بدلا من أن تكون مليئة بالأوساخ والجدران المغطاة بالإعلانات الممزقة.
ولكن ربما كان هذا التحديث للأفضل. فقد اختفى صوت دقات الماء، وحل محله صوت اتصال سريع وواضح. بدلا من الانتظار لدقائق طويلة للحصول على اتصال، كان يمكن لأي شخص الآن التحدث في ثوان قليلة. هذه التكنولوجيا الجديدة جعلت حياتنا أسهل، حتى إذا كانت ذكرى تجارب الهواتف العامة قاسية.
أغرب شيء في هذه الروابط هو أنها أعادت لي الذكرى لأزمان خلاص قطعة نقدية في فجيرة الهاتف. تمثل هذا التحديث في نهاية رسمية لذكرى مؤسفة من حياتنا.
لذا فلنحتفظ بالصور الجميلة والمؤثرة للهواتف العامة في أمريكا، ولنتذكر دائما كيف أصبحت حياتنا أسهل بفضل التطور التكنولوجي. على الرغم من قسوة الماضي، نحن محظوظون بأن لدينا وسائل اتصال حديثة تجعل حياتنا أكثر سلاسة وارتباطا.
في هذه الأزمان، عندما يضع الجميع قطعة نقدية في فجيرة الهاتف، سأشعر بالامتنان لتقدم الزمان والابتكار.