كانت طفولتي مليئة بالأوراق والكتب، تمتزج رائحة الحبر المستخدم فيها مع عبير الذكريات. كنت أقضي ساعات طويلة في مكتبة منزلنا، أستعير كتابا تلو الآخر وأغوص في صفحاته حتى يغشى على عقلي التعب.
كان لدي نظرة تشكية تجاه القراءة الإلكترونية، فهي بالنسبة لي مجرد ظاهرة مؤقتة. قد يظن البعض أنه من السهل إقناع دماغ صغير كطفل بأن شيئا جديدا هو أفضل وأسرع، لكن حقيقة الأمر أصعب بكثير.
لا يمكن لروح الورق المشبع بالثقافة أن تشبه بالشاشات المضاءة التي تروج للحداثة. فصفحات الكتاب تسطر رواية خاصة بكل قارئ، تتشابك أحداثها مع خياله وأفكاره.
إلا أنني قررت أخيرا أن أجرب هذه التقنية الجديدة، إقتنيت قارئا إلكترونيا وأحضرت بعض الكتب الإلكترونية. فور انطلاقي في تصفح الصفحات المضاءة، شعرت بالغرابة والبعد عما كنت عليه.
لم تكن طفولتي لافتة للانتباه بسبب حمولات الورق والأقلام فحسب، بل لأجواء التواصل المستمرة مع الكائنات غير المادية. روح الكتب التي تظهر لي على صفحاتها البراقة هشة جدا.
أدخل عالما جديدا يختزل كثير من ذات طفولتي. يجبر دماغي على تغيير نمط التفكير والإدراك. لست أعارض هذا التحول المستجد، ولكن قهري لا يزال متصلا بأيام الورق وأحبائها.
الآن أعترف بأن القراءة الإلكترونية توفر لي إمكانية حمل آلاف الكتب في رصيدي المصرفي. يمكنني تحميل أية كتاب في ثوان معدودة، دون الحاجة إلى البحث عنه في مكتبات شاسعة أو تجارة نادرة.
ما زال صوت الورق يدوخ رأسي حين ألتقط قارئي وأشغله. فهذا الصوت هو صوت التجديد والذكاء، هو صوت حضور كتاب جدد في حياتي. لكن هذا لا يعني أبدا أن عهد التقلب بصفحات الورق قد انقضى نهائيا.
أطفالنا بحاجة إلى تجربة عالم القراءة من جميع جوانبه. فالتوازن بين الورق والشاشة يمكنهم من استكشاف عوالم مختلفة وتوسيع آفاقهم. لذا، أرى أننا يجب ألا نجبر أطفالنا على التعلم بأحد الطرق حصرا، بل نحثهم على الابتكار والاستفادة من التقنية في تعزيز طرق التعلم المألوفة لديهم.
إذا، هيأ لأطفالك جوا محببا للقراءة سواء من خلال الكتب الورقية أو الإلكترونية. قدم لهم كلا الخيارين ودعهم يختارون وفق اهتماماتهم. استغل فرص القصص المصورة على شاشات مضاءة تحسس قدرات طفلك في إحضار صورة حقيقية لأحداث روية.
انعش في دماغ طفلك رغبته في قراءة قصص مثيرة وتحديات جديدة. واجعل من القراءة نشاطا عائليا يجمع بين الأبوين والأطفال، حيث يتشاركون تجاربهم ويستخلاصون قصصا مفيدة.
إذا ما أردت أن يعود الزمان بك إلى أحضان الورق، فأعلم أن التغيير هو جزء لا يتجزأ من حياتنا. احتضن التكنولوجيا والابتكار في عملية التعلم، فهما سلاحك في تحقيق الأفضل لأطفالك وإثراء رصيدهم المعرفي.