تذكر الأيام التي كنت فيها طفلا صغيرا بقليل من الحزن والملل. كانت الحرية تبدو لي حينها كالسعادة المطلقة، كأنها مجرد رحلة عبر سماء لامتناهية. ابتسامة وثقة تضئ وجهي بصورة لا يمكن أن أنساها. في ذلك الوقت، لم أستوعب بعد تعقيدات الحياة أو قيودها، فكانت الحرية هدفا بلا حدود.
ولكن مع مرور الزمن، تغيرت نظرتي إلى مفهوم الحرية. حصلت على نصائح وخبرات جديدة من عائلتي وأصدقائي، وصار لدي فهم مختلف. استشعرت صعوبات التضحية والإخلاص التام لأجل من تحب، فأصبحت الحرية مصطلحا مغايرا تماما لما كنت أتخيله في صغري.
في وقتنا الحالي، نشهد انقسامات وصراعات تبعث شكوكا حول الحرية. أصبحت الكلمة رمزا لفروق سياسية وأفكار فلسفية. قد يجد بعض الآباء والأمهات أنفسهم ضائعين بين التوجهات المختلفة، حيث تستخدم هذه المصطلحات في منظومة فكرية معينة. يطرحون على أنفسهم الأسئلة، هل يجب أن نسعى لتحقيق حرية كاملة لأبنائنا دون قيود، أم يجب علينا وضع حدود لضمان سلامتهم؟
إذا كان هنالك جزء من الإجابة في هذه الأزمة، فإذا علينا ألا نغض الطرف على إشكالات المعنى والمفهوم الكامنة وراء الحرية. نعلم جميعا أن الحياة تتطلب قوانين وقيودا، كما أن لكل فرد حدوده الخاصة. يجب على الآباء والأمهات أن يسلطوا الضوء على أهمية تعلم اتزان هذه المفاهيم، فقدرة طفلك على فهم معاني الحرية وتطبيقها في حياته يجب أن تكون مصحوبة بالشجاعة والتفكير النقدي.
أثار استخدام كلمة «الحرية» كأداة سياسية مغزى عميق لدي. فكانت تذكرني بأشخاص حاربوا من أجل حقوقهم المسلوبة، دافعوا بإصرار شديد لتحقيق التغيير. رأيت قسوة الظروف التي صادفت خضولا في زورق صغير، يحلق في محيط غامض. لقد تعلمت أن الحرية ليست مجرد كلمة، بل هي قوة عظيمة يجب أن نكون على استعداد للقتال والتضحية من أجلها.
عزيزي الأب والأم، فكروا في الحرية كفصيلة من حياة أولادكم. دعوها تتغير ببطء، مثل نغمات هادئة تسافر عبر سنوات الشباب المضطربة. افتحوا قلوبكم وانصتوا إلى قصص طفولتكم، وشاركوها مع أطفالكم. اعتنوا بقدراتهم وأحلامهم، ولا تخافوا من تشجيعهم على استكشاف الحرية بأشكال جديدة.
ولنجعل نظرتنا للحرية تذهب إلى المزيد من التفاؤل. فإذا كان هنالك شيء يستحق التضحية والسعي لأجله، فإنها الحرية. دعونا نلقن أطفالنا قيمة التعاون والتسامح، ونصور لهم صورة حقيقية للحرية تتغير مع تطورهم. فلنجعل الكلمة البسيطة "الحرية" تتحول إلى رؤية ثقافية جديدة، تضفي على حياتهم لونا مشرقا.