من اللحظة التي يتناسل فيها الإنسان، تتغير حياته وتستعد لاستقبال نسخة جديدة من الجنس البشري. قد تظن أن تلك اللحظة هي بداية رحلة جديدة لمجرد فرصة معرفية لتبادل المعرفة والحب، ولكنها في الواقع بداية مؤلمة لغزو نقيض على حياته. فبائعو التوافه في عصور سابقة كانوا يشترون نفائسا من أجل استمالة جمهورهم وإثارة إعجابهم، إلا أن المزاد قد اختطف في هذا الزمان لصالح شراء تأثير وإعجاب.
في زمان كان التبرير مستطيلا من صور سوداء، كان يشجع على استخدام الصور بذات المظهر في الآثار المختلفة، حاملا بهم رسائل خفية أو طقوس حميمية للإنسان. والآن، فإن الصور تشجع بشكل صريح على أن تستخدم كأداة رئيسية في نظام المعرفة والإبهار، وذلك بفضل «فرط المشاركة الأبوية».
«فرط المشاركة الأبوية» أصبحت ظاهرة شائعة في مجتمعاتنا الحديثة، حيث يغذيها الوسطاء المتنافسون للاستيلاء على قطع من حقول التأثير والإعجاب. نشأ هذا المصطلح لوصف مشاركة الآباء والأمهات المفرطة لأخبار أطفالهم وصورهم عبر منصات التواصل الاجتماعي. هذا الظاهرة تحتضن قضية أكبر من مجرد حق إخباري، فهي تستخدم كأداة استثنائية لزعزعة خصوصية أطفالنا، وإغلاق دور الآباء في قضية سادت منذ فجر التاريخ.
من الصعب تجاوز حبنا وفخرنا بأطفالنا، فهم جزء لا يتجزأ من وجودنا، وشهادة غير مكتوبة للحب الذي نكنه لهم. ولكن هل نستطيع التفريق بين المشاركة الصحية التي تظهر الابتسامة على شفاه أطفالنا، وبين «فرط المشاركة» التي قد تكون سلاحا يستخدم ضدهم في المستقبل؟
إذا كانت هذه الظاهرة مثيرة للقلق بالفعل، فإليك بضع نصائح قد تساعدك في مواجهتها:
1. تأمل في خصوصية أطفالك
قد يبدو الترويج لحق الخصوصية أمرا غير طبيعي في هذا العالم المتصور. ومع ذلك، فإن إثارة هذه القضية في نقاشات المجتمع قد يغير من وعي الآباء والأمهات بالحاجة إلى احترام خصوصية أطفالهم. انتبه للصور التي تشاركها عبر منصات التواصل الاجتماعي وضع في نظرك حق الأطفال في اختيار مستقبلهم الرقمي.
2. قلل من حجم المشاركة
لا داعي لإغراق أطفالك في الضوء الساطع للانتشار، فدرس جيدا المحافظة على توزيع الإضاءة. تذكر أن المشاركة ذات كمية صغيرة ينظر إليها بشكل أفضل، كما أن استغلال المفاسد التي قد تنتج عن استخدام هذه المنصات سيؤثر سلبا على مستقبل طفلك.
3. التوقف عن «أنا» و«أنت»، فابح بذاتك
قد يكون هذا هو وقت جديد للاستثمار في نفسك وقصة حياتك بدلا من قصة حياة أطفالك. تذكر أن الشخصية والتجربة هما ما يحددان التأثير، وليس فقط الصورة التي يتم نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
4. احظ بلحظاتك
لا شيء أفضل من الانغماس في لحظات حقيقية مع أطفالك بدون الإشارة إلى جمهور غير حقيقي. خذ صورا في قلوبهم وليس في هواتفك، فستبقى تلك الذكرى خالدة بغض عن عدد المعجبين بها.
أعزاءنا الآباء والأمهات، كنت هنا لأشارك معكم تجارب قادرة على تغيير حياتنا مع أطفالنا. دعنا نستثمر في استخدام «فرط المشاركة» كأدوات لخلق رحلات سحرية لأطفالنا بدلا من استخدامه كسلاح يستولى على حقوقهم ويسبب مشاكل لهم في المستقبل. لنحترم خصوصية أطفالنا، ولنبدأ رحلة جديدة في الابتعاد عن «فرط المشاركة» والتحول إلى الاستثمار في حبنا الذاتي.