في أعماق الروح، تكمن قصة صديقي الذي لم يتناول السجائر قبل أن يصبح موظفا. رحلته كانت مميزة وغير تقليدية، فقد اكتشف نفسه في عالم جديد عبر التواصل مع الآخرين بواسطة سجائره. فكرة غريبة قد تبدو للبعض، لكنها كانت وسيلة له للاستجابة لأحاسيسه وانغماسه في بيئة جديدة. إذ يعتبر العمل مثل منزل ثان بالنسبة للكثير منا، فإن صديقي اختار استخدام التدخين كأسلوب لكسر حاجز الغرباء وإقامة علاقات. اعتاد أن يذهب إلى "الزاوية المخصصة" في أوقات الاستراحة خارج المكتب؛ حيث يشارك هو والآخرون في نشاط مشترك يحقق رغباتهم المتشابهة. هنا، تجتمع الأفكار والأحلام ويتشكلون الروابط الاجتماعية. وفي رحلة التدخين المستمرة لسنوات، قام بزيارة مناطق جديدة، اكتشف نكهات غير مألوفة، وصادق أشخاصا جدد. تحول عالم العمل إلى ساحة استثنائية حافلة بالمواقف اللافتة والذكريات التي لا تنسى. فقد أظهر لصديقي بأن التعرف على الآخرين والاندماج في مجتمع مختلف يضاف إلى قائمة الإنجازات التي يستحق أن يعتز بها. ولكن مثل كل قصة جميلة، هذه الروحانية البارزة لبضع سطور لها نهاية حزينة. فصديقي أصبـــــــــح شغيل حسابات إيرادات عظيم في حياته. ...
أصبحت ”المولات“ تلك المباني الضخمة التي تحتل أجزاء ليست بهينة في مدننا، مصانع للهويات على اختلاف سماتها وبصماتها. ومن أجل أن نفهم ما هو المول يجب علينا السفر في رحلة ذهاب إلى الوراء، لكن قبل ذلك، دعونا نروي حكاية من أحد الآباء: ذات يوم، في عام 1990، استقرت عائلة صغيرة بالقرب من المدينة الكبرى. كانوا يعيشون في بيت صغير وسط المزارع الخضراء والأشجار المثمرة. وكان لديهم ابن صغير يدعى آدم. آدم كان طفلا مستكشفا فضوليا، يحب استكشاف كل شبر من عالمه. كان يحب قضاء ساعات طويلة في الخارج، يلعب ويستكشف ويتعلم. كان يمشي بين الأشجار، يلتقط الزهور، ويركض وراء الفراشات. وفي أحد الأيام، قابل آدم صديقا جديدا في المدرسة، اسمه محمد. كان محمد فتى حذرا وخجولا. كان يحب القراءة والتفكير بعيدا عن صخب العالم. لم تغير محمد المدينة، بل غيرت المدينة محمد. تأثر آدم بهذه التغيرات في شخصية محمد وقرر أن يعود إلى بيته. إلا أن هذا التغير لم يأت بسبب سوء تأثير مول على آدم فحسب، بل كان ناتجا عن تأثير كافة عوامل المول على حياة الأطفال والآباء على حده. اكتشف آدم أن المول ليس فقط مكانا للتسوق والترفيه، بل أصبح هو الشخص ال...